• مـــادُمت حيّاً فَدَارِ النـــاسَ كُلّهُمُ

    بعد رحلة طويلة من أمريكا إلى انجلترا في بداية تطوّر الطباعة ، يجد (روبرت غرين) نفسه هائماً على وجهه في لندن يحاول الحصول على عمل يُمكّنه من تحصيل المال للبقاء على قيد الحياة والعودة إلى مسقط رأسه بعد سلسلة طويلة من الخذلان وخيبة الأمل ..

    وأخيراً تُتاح له فرصة العمل في مطبعة كبيرة هناك مزوّدة بأحدث أساليب الطباعة في ذلك الزمان ..

    ينهمك غرين في التدريب والتعلّم ثم ينطلق للقيام بعمله على أكمل وجه، حيث كان دوره يقتصر على قراءة ماتم تحضيره ثم تركيب الأحرف بالترتيب على لوح ضخم وغمسها في الحبر ثم الطباعة على صفحات الورق والذي يُعدّ توفيره في ذلك الوقت مُكلّفاً جداً..

    يحين وقت استراحة العمال الذين يجتمعون خارج المطبعة ، ليخبروه بكل لطف أن هذا الوقت مُخصص لشرب البيرة  وأنهم جميعاً يشتركون في صندوق مخصص لذلك بحيث يلزم الدفع بعملتهم في ذلك الوقت كل شهر ، يبتسم روبرت غرين ويعتذر بكل أدب منهم ويخبرهم بأنه لا يشرب أصلاً ، ومن غير المنطقي أن يُساهم بدفع مالٍ لذلك ، و أنه يجمع رواتبه لهدف مغادرة إنجلترا في أسرع وقت ، يتقبل العمّال ردة فعل غرين بكل هدوء ..

     

    خلال الأيام التي تلت هذا الموقف ، يتفاجأ غرين باستدعائه من قبل مدير المطبعة الذي ينبهه إلى أخطاء في الطباعة وأن هذا الأمر مُكلف وسيخصم من راتبه وقد يعرضه للفصل من العمل ..

    تمر الأيام و يتكرر الحدث بأخطاء أكبر رغم حرص غرين واهتمامه حتى يصل إليه إنذار بالفصل من العمل ..

    وهنا تحين لحظة الإدراك .. 

    حيث تأكد روبرت غرين من أن رفضه لمقترح العمّال كان سيقضي عليه تماماً وقد يجد نفسه في شوارع لندن وحيداً شريداً .. لذلك يتدارك الأمر ويذهب للعمّال ويعتذر منهم ويخبرهم بأنه سيساهم بدوره في ذلك الصندوق دون أن يوضح لهم حقيقة اكتشافه ..

     

    في الأيام التالية تعود أمور الطباعة إلى سابق عهدها ويكمل روبرت غرين عاماً كاملاً بدون أخطاء ويشد الرحال إلى مسقط رأسه هارباً من جحيم التجربة التي علّمته بأن التعايش مع الناس ينبغي أن يكون بفهم عميق لما يدور في أذهانهم .. ولعل ذلك هو تجسيد لبيت شعرٍ للشاعر أحمد الخطابي حين قال : 

    مـــادمت حيّاً فَدَارِ النـــاسَ كُلّهُمُ 

    فـــإنما أنت فـــي دارِ المُـــدَارَاةِ

     

    في أبجد هوز يمكننا مساعدتك في تعلّم الكثير من مهارات المُداراة مع الآخرين دون أن تخسر نفسك ، انضم إلى عضويتنا المميزة و تمتع بشخصية فريدة ..



    كونوا بخير يا أصدقاء 

    مها قطنان